بسم الله الرحمن الرحيم
"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً * قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدا " الكهف 1 :3
سبحانة أخبرنا بـ " إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً " الأسراء 9
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أخبرنا أن القرآن فبه هدي وشفاء ورحمة للمؤمنين.
"وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً" الإسراء 82
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله القدوة الحركية والحياة النابضة والسلوك التطبيقي للقرآن الكريم، فكان صلي الله عليه وسلم قرآنا يسير على الأرض "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" الأحزاب 21
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك سيدنا محمد صاحب المقام المحمود والحوض المرصود والشفاعة العظمي.
وبعد :
فإن حاجة الإنسان إلى الإجتماع والتجمع والتفاعل مع غيره ضرورية وفطرية وواجبة كذلك.
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات 13
وكذلك :
اقتضت حركة الإنسان في الحياة الحاجة إلى قانون ينظم له حركته هو شخصياً وينظم – كذلك – حركته مع غيره ليتفاعل معهم وأصبح ذلك – أيضا – أمرا بديهياً وضرورياً وواقعاً.
و لكن السؤال – البديهي - الذي يفرض نفسه على الإنسان من أين يستمد الإنسان القانون الذي ينظم له فكره و حركة حياته مع نفسه أو مع غيره – على السواء - ؟.
ما هو المنبع الذي يستمد منه مصادر قانون حركة نشاطه البشري في جميع أوجه أنشطته سواء أكانت فردية أو أسرية أو جماعية أو سياسية، أو اجتماعية، فكرية، تربوية ... سرية أو جهرية؟
هل يستمدها من خالقة عن الوحي الإلهي وبخاصة بعد أن لمس بنفسه وشاهد ببصره وشعر ببصيرته وفطرته سنن الله في الكون والنفس؟
أم . .
يستمدها من العقل بعد أن تيقن من عجزه عن الإحاطة الشاملة في مجال الغيبيات – العقيدة، الشريعة، الأخلاق؟
أم . .
يستمدها من الواقع الإجتماعي تاذي تفرضه عليه البيئة أو زعماؤها؟
ثلاثة أسئلة ستجد الإجابة عليها مختلفة على حسب حرية الإنسان واختياره وشفافيته وظلمته وانشراح صدره وضيقة.
" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشـاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ" الشوري 53،52
لقد كرم الله تعالي الإنسان بالعقل - التفكير – وجعله تعالي مناط التكليف ومتفهماً للوحي.
" وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" النحل 78
والعقل من وراء ذلك مصدر من مصادر المعرفة، لكنها معرفة محدودة الزمان المكان والشخص والفكر.
ومن الناس من استمد حركة نشاطه في الحياة ومعرفته وعلاقته بغيره من الواقع الإجتماعي الذي يعيش فيه أو يصنعه هو لنفسه أو من زعماء بيئته.
" وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" الأعراف 28
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ" البقرة 170
وعلى ذلك جاءت فكرة هذا الكتاب.
فمن الناس :
- من أخذ معارفه العلمية ومصادر فكره من العقل و الحس و التجربة فأبدع فيها و أنتج.
وفي الوقت نفسه استمد معارفه الخبرية عن طريق الوحي السماوي الصحيح في افعل ولا تفعل، أمراً ونهيا، تصوراً وسلوكا.
و هؤلاء هم المسلمون الحقيقون الذين يستمدون قوانين حركة حياتهم وأوجه نشاطاتهم الإجتماعية بأنواعها المختلفة من سياسية واقتصادية وأسرية ودولية وجميع نظمهم.
ومن هنا كانت مصادر علم الإجتماع الإسلامي السماوي.
- من الناس من أستمد معارفه الخبرية – العقيدة، الشريعة ، الأخلاق - عن طريق تحكيم عقله لغروره به وبخاصة حينما وجد عقله منتجاً في المجال المادي فسحبه أيضا على المجال الغيبى فاستمد منه قوانينه الخبرية التي تحدد له أوجه نشاطه الإجتماعي بأنواعه المختلفة.
- أو من الواقع الإجتماعي الذي يعيش فيه والوسط الذي نشأ وتربي فيه ومن عقله القاصر حتي أخضع الدين للواقع الإجتماعي وجعله من صنع المجتمع نفسه.
ومن هنا جاءت مصادر علم الإجتماع البشري الأرضي.
وهذا ما سنبحثه إن شاء الله تعالي في هذا الكتاب تحت عنوان "مصادر علم الإجتماع".
"رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ".
هذا والله أعلم ومنه الهداية والتوفيق.
المرج المعمورة دكتور/ محمد سيد احمد عامر
في يوم الأحد
23 من جمادي الأولى 1409هـ
1يناير سنة 1989م.