المقدمة:
الحمد لله. نحمده ونستعينه، ونستغفره. ونعوذ به من شرور أنفسنا. من يهد الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا معبود بحق سواه. إلهي.
أنت القائل في كتابك الكريم "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"([1]).
إليك سبحانك يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح ترفعه وتباركه، وليس أطيب من كلم يشرق بحبك، ويتعطر بذكرك، ويدور حول رضاك وعمل صالح خالص لوجهك وحدك يراد به التقرب منك والفوز بالنظر إليك "وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"([2]).
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله r أرسله الله بالحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
فبين r لنا طريق الوصول إلى الله تعالى "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ"([3]).
فكان r بأقواله وأفعاله المبين لنا الطريق إلى الله وحده – دون غيره "وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"([4]).
"... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".
وما دام r هو المبين للوحي قولاً وفعلاً وتطبيقاً وسلوكاً جعل الله – سبحانه وتعالى – طاعة رسوله طاعة له "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا"([5]).
"... وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"([6]).
وأمرنا تعالى أن نقتدي به r في كل أقواله وأفعاله وسلوكه فيما بلغه الله إليه وكلفه بتبليغه لنا "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"([7]).
اللهم صلي وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك سيدنا محمد r.
وبعد:
فهذه نظرات في علم التصوف نتناول فيها نشأة التصوف قبل الإسلام متتبعاً الجذور التاريخية والفكرية له مبيناً استمداده ومصادره وموضوعه والغاية منه وتأثيرها فيما بعد على غيره.
ثم تناولت بعد ذلك التصوف في الإسلام وذكرت مراحله بإيجاز وصفات كل مرحلة وتناولت المرحلة الأولى منه بالتفصيل وهي مرحلة الإحسان الممتدة من بعثته r إلى نهاية القرن الثاني الهجري وهذه المرحلة يطلقون عليها: مرحلة الزهد، أو – مرحلة العبادة والسلوك، مرحلة التمسك أو التصوف بالمعنى دون الاسم – المرحلة الروحية، مرحلة الخلق الإنساني" ولكني آثرت تسميتها مرحلة الإحسان على ما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله.
ولقد تناولت هذه المرحلة – مرحلة الإحسان – بالتفصيل في هذا الكتاب كجزء أول وستخرج البقية بإذن الله تباعاً.
أي أننا سنتناول في هذا الكتاب:
الجذور التاريخية والفكرية للتصوف قبل الإسلام.
المرحلة الأولى من مراحل التصوف في الإسلام وهي التي تبدأ من السنة الأولى للبعثة وتمتد على سنة مائتين وعشرين من الهجرة 1 : 220 هـ وهي تشمل على عصر الرسول r وكذلك عصر الصحابة والتابعين وعصر تابعي التابعين([8]).
تناولت فيها:
- تعريف الزهد – التصوف الاسمي.
- مصادره وطريقة أخذ المتصوفة من هذه المصادر.
- موضوعه.
- الغاية منه.
- وتأثيره وتأثره.
ومما دعاني إلى ذلك:
اختلاف الناس حول قضية التصوف وليت الاختلاف كان هنياً وسهلاً كما في كثير من القضايا فنعمل جادين على التقريب والتوفيق فيما بينهما.
ولكن الاختلاف هنا بين وشاسع حتى وصل إلى درجة الإفراط والتفريط فنجد:
أناساً كثيرين يعتقدون أن السلوك الصوفي هو قمة المنهج الذي يوصل إلى منهاج الله تعالى.
بينما نجد خلقاً كثيرين – أيضاً – يرون العكس – أن السلوك الصوفي هو قمة المنهاج الذي يبعد الناس عن منهاج الله تعالى.
لقد سرت حركة التصوف في المجتمع البشري كله سريان الماء في العود الأخضر قبولاً ورداً، فوقفت الفطر السليمة المحبة لوجه الحق الباحثة عن الحقائق تبحث لنفسها عن فيصل في هذا المعترك.
- فالمؤيدون لهم رأيهم ويدللون عليه بحجج وبراهين.
- وفي الوقت نفسه يدفع المعرضون أدلة المؤيدين ويبرهنون على رأيهم بأدلة وحجج.
- فأين الحقيقة إذن؟ وإلى أين تتجه؟
ومن هنا كان لابد من دراسة متأنية حول. التصوف وعلم التصوف – نتتبع تاريخه وجذور نشأته في البشر حتى يتضح لنا وجه الصواب وتظهر الحقيقة.
من أجل ذلك كانت هذه الدراسة،،،
وفوق - ما تقدم ذكره – نبتغي - أيضاً –
1- توضيح ما عليه واقع التصوف الآن نتتبع تاريخه من نشأة البشرية إلى الآن.
2- توضيح المبادئ الروحية – الصوفية – المشتركة مع تأثيرها وتأثرها على مدى التاريخ البشري كله.
3- بيان تأثير هذه المبادئ في الناحية الروحية في الإسلام سلباً أو إيجاباً.
ليصل بذلك إلى:
تحديد الدخيل في الحياة الروحية الإسلامية.
تحديد علم التصوف الإسلامي الحقيقي.
تحديد القضايا الدخيلة على التصوف الإسلامي وهل أثرت فيه فعلاً أم لا؟ وهل أثر هو فيها؟
بيان صحة أو فساد آراء المستشرقين. ومن على شاكلتهم حول تأثر التصوف الإسلامي بمصادر التصوف غير الإسلامي وقضاياه.
والحق أقول:
إن قصة التصوف قضية شائكة ودقيقة، لأنها تجربة شخصية سرية وفردية يصعب التعبير عنها وهي في الوقت نفسه مهمة وخطيرة حينما خرجت إلى حيز الوجود كتجربة جماعية ومعلنة فأصبحت علماً وعلماً له تعريفه وموضوعه ومصادر وغاية مما جعل الباحثين.
1- إما مؤيد بإطلاق.
2- إما معارض بإطلاق.
والحق:
إذا أردنا أن تصل إلى رأي محق فيها – إلى حد ما – على حسب فهمنا المتواضع – القاصر عن الوصول إلى الحقيقة القاطعة فيها.
لابد لنا أن نسير مع القضية سيراً تاريخياً وفكرياً وموضوعياً لنتتبعها من جذورها ذاكراً ما لها وما عليها وتأثيرها وتأثرها إلى أن يصل البحث بنا حيث شاءت إرادة الله تعالى – إلى الصواب فيها.
ولقد توخيت في ذلك إظهار الحق، وكشف الحقيقة من غير تعصب لقول، ولا اتباع لهوى النفس.
وعلى كل فهذه الدراسة لا أدعي أنها وحدها الحق والصواب ولا أدعي الحق فيها فلقد سبقني فيها جهابذة العلم والمعرفة من أساتذتنا العلماء الأجلاء الأفاضل.
ولكنها محاولة متواضعة ومساهمة يسيرة أريد بها وجه الله تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
هذا والله أعلم ومنه الهداية والتوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
المرج المعمورة
في يوم الأحد
12 من ربيع الأول سنة 1409 هـ