خيانة المستشرقين للمنهج العلمي 2
الإختلاق والتمويه :
هذه آفة الآفات، أن يشير الباحث على مصادر استقى منها معلوماته، ومراجع رجع إليها في بحثه ويعيّنها بالجزء والصحيفة، مختلقاً ذلك اختلاقاً، بدون أن يكون لهذا الإدعاء أدني أصل – ومع هذا ينظر إليه على أنه أبشع من كل ما سبق مما ذكرناه آنفا إلا أنه في الوقت نفسه :-
أقل خطراً من حيث تأثيره الفكري، فإنه سلاح مكشوف، ومكر مفضوح، وبوسع كل قارئ مثقف أن يتناول المرجع، أو المصدر الذي يشير إليه فينكشف له خبؤه ويفتضح عواره، وتسقط قيمته، ولكن الخطر يكمن في الآفات الأخري التي يتعمدون اخفاءها ولا يدركها ويكتشف سرها إلا من كان على علم بأساليب هؤلاء وتمويهاتهم.
ولقد رأينا من المستشرقين من يأتي بالنص من المصدر أو المرجع، فيضيف إليه حرفاً أو يحذف منه حرفاً، أو يبدل منه لفظأً، فإذا المعني قد استحال إلى شيئ أخر، وأصبح ناطقاً بما يريد أن ينطقه الباحث، أما الإختلاق والإدعاء والإفتراء فتلك آفة الآفات.
أنهم في أغلب الأحيان يذكرون عيباً واحداً، ويجّودون لتمكينه في النفوس، بذكر عشرة محاسن، وليست لها أهمية كبيرة، وذلك كي يقف القارئ خاشعاً أمام سعة قلوبهم وسماحتهم، ويستسيغ ذلك العيب الواحد الذي يكفي لطمس المحاسن.
وكثير من هولاء المستشرقين يدسون في كتاباتهم مقداراً خاصاً من السم، ويحترسون في ذلك فلا يزيدون على النسبة المعينة لديهم، حتي لا يستوحش القارئ، ولا يثير ذلك فيه الحذر ولا يضعف ثقته بنراهة المؤلف.
فمن ذلك ما نجده عند "مونتجمري وات" حينما يتحدث عن نظام الزواج في الإسلام فيقول فيما قال "ونعلم من الأخبار أن محمداً دافع عن- الشغار - وهو أن يتبادل رجلان أو جماعتان من الرجال بدون مهر بناتاهم أو أخواتهم".
ثم يشير في الهامش مستند ذلك إلى البخاري – كتاب النكاح – مما يوحي بأنه أعتمد في تقرير هذا الحكم – من دفاع محمد صلي الله عليه وسلم – عن الشغار – على البخاري، موهماً القارئ أنه رجع إلى البخاري واستند في ذلك إليه.
والطالب المسلم العادي سيدرك لأول وهلة كذب "موتنجمري وات" في هذا الكلام، فالكل يعرفون تحريم نكاح الشغار شرعاً.
وبالرجوع إلى البخاري في "كتاب النكاح" ورقم الباب الذي عقبة "67" لم نجد شيئاً عن الشغار وإنما هذا الباب من أبواب كتاب النكاح بعنوان "الوليمة حق" وفيه حديث واحد، عن عرس النبي صلي الله عليه وسلم – بزينب بنت جحش رضي الله عنها.
أما الشغار فهو في الباب رقم "28" من أبواب النكاح في البخاري وليس فيه رقم "67" كما زعم "موتنجمري وات"
وإذا تجاوزنا هذا التعليل، وأحسنا الظن، واعتبرناه خطأ مطبعياً، أو سبق قلم، فكيف نتصرف في هذا الموضوع؟، أعني كيف تفسر استدلاله بالبخاري في باب الشغار، وبالبخاري حديث واحد، عن ابن عمر رضي الله عنهما نصه "نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الأخر ابنته ليس بينهما صداق".
وفي اعتقادي أن المستشرق حينما يفعل ذلك، إنما يعتقد أن من يقرأ له من المثقفين الأوربيين لن يفكر في الرجوع إلى المصدر، ولا هو قادر أن يراجعه إن إراد، لأنه عادة ليس من القارئين بالعربية، القادرين على مراجعة مصادرها وأمهات كتبها